خطاب الرئيس حافظ الأسد إلى الأمة عقب اندلاع حرب تشرين
6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973
أيها المواطنون، يا جنودنا وصف ضباطنا وضباطنا البواسل، يا أبناء شعبنا الأبيّ،
مع تحيتي لكل فرد منكم، أخاطب فيكم الروح العربية الأصيلة، روح الشجاعة والبطولة، روح البذل والتضحية، روح الفداء والعطاء. أخاطب فيكم محبة الوطن التي فطرتم عليها، والإيمان بالقضية التي صممتم على الدفاع عنها.
منذ أسبوع ونيف والعدو يحشد ويعد، وفي ظنه أنه سينال منا بضربة غادرة. وكنا يقظين ساهرين نرصد حركاته وسكناته، ونستعد ونتأهب لرد عدوانه الجديد المحتمل. فلم نسمح له أن يأخذنا على حين غرة، واندفعت قواتنا المسلحة ترد عليه الرد المناسب. ولم يسمح له أخوتنا في مصر أن يأخذهم على حين غرة، فاندفع جيش مصر العظيم يدافع عن كرامة مصر وكرامة الأمة العربية.
فتحية لجيشنا وشعبنا، وتحية لجيش مصر وشعب مصر العربي العظيم. ولا بد لي في هذه اللحظات الحاسمة من أوجه تحية من القلب إلى هؤلاء العسكريين البواسل الذين جاؤوا إلى قطرنا من المغرب الشقيق ليشاركوا في معركة العزة والكرامة، وليقدموا الدم سخياً إلى جانب أخوتهم في سوريا ومصر، فجسدوا بذلك وحدة الأمة ووحدة المصير وقدسية الهدف.
إننا اليوم نخوض معركة الشرف والعزة دفاعاً عن أرضنا الغالية، عن تاريخنا المجيد، عن تراث الآباء والأجداد، نخوض معركة الإيمان بالله وبأنفسنا وبعزيمة صلبة وتصميم قاطع على أن يكون النصر حليفنا في ذلك. لقد بغت إسرائيل وأصابها الغرور وملأت الغطرسة رؤوس المسؤولين فيها، فأوغلوا في الجريمة واستمرأوا أسلوب العدوان، يملأ قلوبهم حقد أسود على شعبنا وعلى البشرية، ويستبد بهم تعطش لسفك الدماء، ويوجه خطاهم استخفاف بمبادئ البشرية ومثلها العليا وبالقرارات والقوانين الدولية. مثل هؤلاء مثل من سبقهم من دعاة الحرب، لا يقفون عند حد ولا يرعون إذا لم تردعهم الشعوب المؤمنة بحقها، المدافعة في سبيل حريتها ووجودها. وإذ نؤدي واجبنا في الدفاع عن أرضنا وشرف أمتنا، فإننا مستعدون لبذل كل تضحية وتقبل كل شدة في سبيل أن ينتصر الحق وتنتصر المبادئ، وفي سبيل أن يسود السلام العادل.
أيها الأخوة المواطنون،
إن الشدائد هي محك لمعدن الشعوب وامتحان لأصالتها، وكلما ازدادت الأمة شدة ظهر المعدن الصافي وتأكدت الأصالة الراسخة. إنكم أبناء أمة عرفت على مدى التاريخ بمواقف الرجولة والإباء، مواقف البطولة والفداء، أبناء أمة حملت رسالة النور والإيمان إلى أصقاع الأرض، وشهد لها العالم قاطبة بأسمى الصفات وأنبل الأخلاق. فيا أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، يا أحفاد خالد وأبي عبيدة وسعد وصلاح الدين، إن ضمير أمتنا ينادينا وأرواح شهدائنا تستحثنا أن نتمثل معاني اليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت. وإن جماهير أمتنا من المحيط إلى الخليج تشخص بعيونها وأفئدتها إلى صمودنا العظيم، وكلها أمل وثقة بأننا إلى النصر سائرون.
يا جنودنا وصف ضباطنا وضباطنا البواسل، نحن أصحاب حق وأصحاب قضية عادلة، والله ينصر من كان على حق ومن كان عن حقه ذائداً مدافعاً. إنكم اليوم تدافعون عن شرف الأمة العربية وتصونون كرامتها وتحمون وجودها وتضحون كي تحيا الأجيال القادمة هانئة مطمئنة. وتشاء إرادة العلي القدير أن يكون جهادكم في هذا اليوم من أيام الشهر الفضيل، شهر رمضان شهر الجهاد، شهر غزوة بدر، شهر يوم الفتح، شهر النصر، صفحة ناصعة في تاريخ قواتنا المسلحة نضيفها إلى العديد من صفحات البطولة والفداء التي سطرتها بدماء الشهداء الأبرار في تاريخ قطرنا ووطننا. لقد انتصر أجدادنا بالإيمان بالتضحية، بالتسابق على الشهادة دفاعاً عن دين الله ورسالة الحق. وإنكم اليوم، ببطولاتكم وشجاعتكم، إنما تستلهمون هذه الروح وتحيونها وتحيون بها تقاليد أمتنا المجيدة.
سلاحكم بين أيديكم وديعة، فأحسنوا استعماله، وشرف الجندي العربي في أعناقكم أمانة، فصونوا الأمانة، ومستقبل شعبنا في عهدتكم، فابذلوا المستحيل دفاعاً عنه. وإن شعبنا الذي تعمر صدور أبنائه حماسة، يقف وراءكم صفاً واحداً يحمي خطوطكم الخلفية ويدعم جهادكم بكل ما يملك، ومن ورائه جماهير أمتنا العربية التي لا أخالها إلا واقفة الموقف الذي يمليه الواجب القومي في هذه المرحلة الحاسمة، وخلفها من بعد في العالم أصدقاء عديدون يؤازرون حقنا ويدعمون قضيتنا ويؤيدون نضالنا.
لسنا هواة قتل وتدمير، إنما نحن ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير. لسنا معتدين ولم نكن قط معتدين، لكننا ولا نزال ندفع عن أنفسنا العدوان. نحن لا نريد الموت لأحد، إنما ندفع الموت عن شعبنا. إننا نعشق الحرية ونريدها لنا ولغيرنا، وندافع اليوم كي ينعم شعبنا بحريته. نحن دعاة سلام، ونعمل من أجل السلام لشعبنا ولكل شعوب العالم، وندافع اليوم من أجل أن نعيش بسلام. فسيروا على بركة الله وإن ينصركم الله فلا غالب لكم. والسلام عليكم.